ارتفاع سندات لبنان المتعثّرة: ربح للمستثمرين على حساب شعب ينهار
عندما ظهرت عناوين تتحدث عن ارتفاع سندات لبنان المتعثّرة بنسبة 268%، سارع كثيرون إلى التساؤل: كيف يمكن لدولة أعلنت توقفها عن سداد ديونها في عام 2020 أن تشهد ارتفاعاً في قيمة سنداتها التي تُعتبر “عديمة الجدوى”؟
الإجابة لا تكمن في تعافٍ اقتصادي حقيقي، بل في لعبة مالية معقدة يقوم بها نفس الأطراف الذين ساهموا في انهيار البلاد.
—
خلفية الأزمة المالية اللبنانية
منذ عام 2020، لم يعد لبنان قادراً على سداد اليوروبوندز (السندات السيادية بالعملة الأجنبية). العملة الوطنية انهارت بنسبة تفوق 99%، والمواطنون محرومون من الوصول إلى ودائعهم بفعل القيود المصرفية. الاقتصاد في حالة شلل تام، وتراجع مستوى المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، فيما لا تزال عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي معلّقة بالكامل.
ورغم هذا المشهد القاتم، قفزت أسعار السندات من 6 سنتات إلى نحو 24 سنتاً للدولار الواحد، أي ما يقارب 300% أرباحاً للمستثمرين.
—
من الذي يشتري هذه السندات؟ ولماذا؟
الحقيقة تكمن في هوية المستثمرين:
المصارف اللبنانية تمتلك أكثر من 12 مليار دولار من هذه السندات.
مؤسسات مالية عالمية مثل بلاك روك ودانسكه بنك دخلت أيضاً على خط شراء هذه السندات المتعثّرة.
هؤلاء المستثمرون يراهنون على تعافٍ ولو جزئي في المستقبل، قد يسمح لهم بإعادة بيع السندات بأرباح ضخمة.
هذا ليس رهاناً على انتعاش اقتصادي حقيقي، بل استثمار في الأزمة ذاتها.
—
فخّ اليوروبوندز
عندما أصدر لبنان اليوروبوندز للمرة الأولى، كان يراهن على تحقيق نمو اقتصادي يسمح له بالسداد. لكن هذا التوجّه وضعه تحت رحمة الأسواق العالمية وزاد من تعرضه للعملة الأجنبية.
اليوم، يشبه لبنان شخصاً يستدين من بطاقة ائتمان ليدفع بطاقة أخرى. إلا أن الفارق هنا هو أن هذا الشخص هو دولة بأكملها، وهذه البطاقات قيمتها مليارات الدولارات.
—
كيف تعمل لعبة الأرباح؟
المسار المالي الذي يحدث اليوم يمكن تلخيصه بأربع مراحل:
1. وقوع الأزمة → انهيار اقتصادي، تصبح السندات عديمة القيمة.
2. فرض قيود على السحوبات → منع المودعين من الحصول على أموالهم.
3. شراء الأصول المتعثّرة بأبخس الأسعار.
4. الاستفادة من أي ارتفاع لاحق → بيع السندات عند 24 سنتاً وتحقيق أرباح قد تصل إلى 300%.
ومن يقود هذا السيناريو؟ نفس المصارف اللبنانية التي ساهمت في صناعة الأزمة.
—
معركة صفرية: المودعون ضد حملة السندات
اقتصاد لبنان ليس مرناً ولا يملك موارد غير محدودة. كل دولار يذهب إلى حملة السندات يأتي حتماً من جيوب المودعين.
إذا حصل حملة السندات على تعويضات أكبر، يخسر المودعون.
إذا تكبّدت المصارف الخسائر، تعود الفرصة إلى الشعب لاسترجاع حقوقه.
ارتفاع أسعار السندات اليوم يعني شيئاً واحداً: المستثمرون يعتقدون أن الحكومة ستنحاز إليهم ضد المودعين.
—
الرسالة الحقيقية وراء هذا الارتفاع
ارتفاع سندات الدين ليس مؤشراً على تعافٍ اقتصادي، بل على استعداد المستثمرين لجني الأرباح من مأساة اللبنانيين.
التعافي الاقتصادي ما زال غامضاً. أما المؤكد فهو أن السباق على من سيحصل على حصة من الدولة المفلسة قد بدأ فعلياً — والمودع اللبناني هو الحلقة الأضعف.
—
الخلاصة
الارتفاع الصادم في أسعار السندات المتعثرة ليس قصة نجاح، بل إنذار مبكر. إنه يسلّط الضوء على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية عادلة تضع حقوق المودعين فوق مصالح البنوك والمستثمرين الدوليين.
في معركة المصارف وحملة السندات والمودعين… على لبنان أن يختار من سينقذ.
هذا المقال كتب بالاستناد الى فيديو نشرته كريستي عسيلي