انتخابات البقاع البلدية: آمال معلقة على جيل جديد من القيادات المتعلمة

مدة القراءة 2 دقيقة

تشهد منطقة البقاع في لبنان ترقبًا حذرًا وتفاؤلًا متصاعدًا مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية. هذه الاستحقاقات الدورية، وإن بدت روتينية في ظاهرها، تحمل في طياتها آمالًا عريضة وطموحات جمّة لدى الأهالي، الذين يتطلعون إلى غدٍ أفضل لقراهم وبلداتهم. وفي خضم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان عمومًا، تكتسب هذه الانتخابات في البقاع أهمية مضاعفة، إذ يُعلق عليها سكان المنطقة آمالًا في تحقيق تغيير حقيقي وملموس على صعيد حياتهم اليومية.

من أبرز التطلعات التي يعبر عنها أهالي البقاع، الحاجة إلى مجالس بلدية تتمتع بقدرعالٍ من التعليم والثقافة. لم يعد مقبولًا أن تقتصر مهمة المجلس البلدي على تسيير الأمور الحياتية الروتينية فحسب، بل يتطلع السكان إلى قيادات واعية ومثقفة، قادرة على فهم التحديات المعاصرة واستشراف المستقبل. فالقرى والبلدات البقاعية تزخر بطاقات شبابية متعلمة ومؤهلة، ويأمل الأهالي أن يتم تمكين هذه الكفاءات من الوصول إلى مواقع صنع القرار في البلديات.

إلى جانب التطلع لمجالس بلدية مُلمّة بالقضايا الثقافية، يطمح أهالي البقاع إلى رؤية أبعد من مجرد إنشاء المكتبات العامة. فالنواحي الثقافية للقرى والبلدات البقاعية غنية بالتراث الشفهي، والحِرف اليدوية التقليدية، والمواقع الأثرية والتاريخية التي تستحق الحماية والترويج. يمكن للمجالس المتعلمة أن تتبنى مبادرات للحفاظ على هذا الموروث الثقافي، من خلال توثيق القصص والاحداث الشعبية، ودعم الحرفيين المحليين عبر إقامة أسواق ومعارض دائمة، وترميم وصيانة المباني التراثية والمعالم الأثرية التي تشهد على عراقة المنطقة. كما يمكن إطلاق المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تحتفي بالمواهب المحلية وتشجع التبادل الثقافي مع مناطق أخرى، مما يخلق حراكًا ثقافيًا يُغذي الروح الجماعية ويعزز الهوية المحلية.

أما فيما يتعلق بالجانب البيئي، فيحظى هذا الملف بأهمية قصوى لدى سكان البقاع، الذين يعانون بشكل مباشر من تداعيات التدهور البيئي. يتطلع الأهالي إلى مجالس بلدية مُدركة تمامًا لحجم التحديات البيئية التي تواجه المنطقة، والتي تتراوح بين تلوث المياه الجوفية والأنهار، وتراجع المساحات الخضراء، وصولًا الى تأثيرات التغير المناخي على القطاع الزراعي الحيوي في البقاع.

تتضمن الآمال المعلقة على المجالس البلدية المتعلمة في هذا السياق، وضع خطط استراتيجية شاملة لمعالجة هذه المشكلات، عبر حماية مصادر المياه تتطلب جهودًا حقيقية لمراقبة جودة المياه، وصيانة شبكات الصرف الصحي، وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة في الري لترشيد استهلاك المياه.

كما يمكن للمجالس البلدية المتعلمة أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، من خلال إطلاق حملات توعية وبرامج تثقيفية تستهدف مختلف الفئات العمرية، وتشجيع المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى الحفاظ على نظافة الأحياء والحدائق العامة، وزيادة المساحات الخضراء عبر حملات التشجير.

أخيرًا، يرى أهالي البقاع أن المجالس البلدية المتعلمة يمكن أن تكون قوة دافعة نحو تبني مشاريع للطاقة المتجددة على نطاق محلي، مثل تركيب ألواح الطاقة الشمسية على المباني العامة، واستكشاف إمكانية استخدام مصادر الطاقة النظيفة الأخرى المتاحة في المنطقة. إن الاستثمار في الطاقة المتجددة لا يساهم فقط في حماية البيئة، بل يمكن أن يخفض تكاليف الطاقة على المدى الطويل ويخلق فرص عمل جديدة.

وفي الجانب الإنمائي، تأمل المجالس البلدية المتعلمة في البقاع أن تلعب دورًا فاعلًا في جذب الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين. إن القدرة على التخطيط الاستراتيجي، وإدارة المشاريع بكفاءة، والتواصل الفعال مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، هي من المهارات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أعضاء المجالس البلدية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.

ختامًا، يمكن القول إن انتخابات البقاع البلدية القادمة تمثل فرصة حقيقية للأهالي لاختيار قيادات قادرة على الارتقاء بمستوى قراهم وبلداتهم. إن التركيز على انتخاب مجالس بلدية متعلمة ومؤهلة هو خطوة ضرورية نحو تحقيق التنمية الثقافية والبيئية والإنشائية التي يتطلع إليها سكان البقاع. فالأمل معقود على جيل جديد من القيادات، يمتلك الرؤية والمعرفة والإرادة اللازمة لتحويل هذا الأمل إلى واقع ملموس.

Written by

صحفي وكاتب لبناني ومخرج افلام وثائقية

You may also like...