التهويل بالعواصف في لبنان: بين الواقع والاعلام
علي الأكبر البرجي
مع وصول كل منخفض جوي الى لبنان في فصل الشتاء، يخرج المئات من “المحللين” على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض
محطات التلفاز، لنشر توقعاتهم عن هذا المنخفض وتسميته “العاصفة”، وتخويف الناس من حجم الأمطار والثلوج، والتبعات التي ستحصل جراء هذا المنخفض، ما يؤدي الى ما يشبه حالة الذعر بين المواطنين، تدفعهم لاتخاذ الاجراءات اللائمة والتحضير لاستقبال هذه “العاصفة”، وهذا يضيف ضغوطًا مالية ونفسية على المواطن الذي يكابد العناء في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة
فما هي اسباب هذه التهويلات وهل تعتبر المنخفضات الجوية ظاهرة جديدة على لبنان؟
يتميز لبنان بفصوله الاربعة، هذا ما درسناه في كتب الجغرافيا، وللمنخفضات الجوية دور اساسي في دورة الطبيعة وتقلب الفصول، وتساهم هذه المنخفضات بتغذية الابار الجوفية وتفجير الينابيع، وما يتبعها من منافع على الأمن الغذائي وغيرها من التفاصيل.
وفي العام 1983 ضربت عاصفة ثلجية لبنان تعتبر الاقوى في القرن الحالي، والتي تسببت بكارثة انسانية ذهب ضحيتها ستون شخصًا طمرهم الثلج على طريق ضهر البيدر، وأدت هذه العاصفة الى اضرار كبيرة بالقطاع الزراعي والبنى التحتية في أغلب المناطق اللبنانية.
إذن لبنان لم يكن يومًا غريبًا عن هذه المنخفضات الجوية،على العكس، لطالما كانت وتيرة المتساقطات المائية في لبنان اكثر شدّة، وبعزم أكبر، فحسب تقرير نشر في العام 2022 على موقع springer المختص في الدراسات والمنشورات العلمية، فقد أثر التغير المناخي على الموارد المائية بوضوح، وقد شهد لبنان في الفترة الممتدة بين الأعوام 1930 و2019 تراجعًا في المتوسط الشهري للمتساقطات تراوح بين 6% و 12%، ممّا يعني ان شدّة المنخفضات الجوية تقلّ في لبنان، نسبة للأعوام السابقة.
لماذا التهويل؟
تحاول بعض المؤسسات والمواقع الاعلامية اللبنانية، تعويم عدد من الأشخاص الذين يصفون انفسهم “بخبراء” في الطقس، بالرغم من عدم امتلاكهم مؤهلات علمية واضحة، تسمح لهم بدراسة حالة الطقس وتوجيه الارشادات المتعلقة بهذا الموضوع، وبالرغم من ان 90% من توقعات الارصاد الجوية لهؤلاء “الخبراء”، لم تصب في السنوات الماضية، لا يزال هؤلاء الخبراء، محور حديث الناس والمحطات التلفزيونية والمؤسسات الاعلامية.
على صعيد آخر، تتجاهل أغلب المؤسسات الإعلامية، اصحاب المؤهلات العلمية والرسمية، الذين يؤكدون بشكل دائم ان هذه المتساقطات طبيعية ويوصفون الأمور كما هي دون تهويل، وبحسب متابعتنا لتوقعاتهم الجوية، فإن نسبة تحقق هذه التوقعات فاقت ال 80%، لكن لا يتم الاضاءة على توجيهاتهم وتوقعاتهم في أغلب المساحات الإعلامية.
تساهم فكرة التهويل بالعواصف الثلجية، في تنشيط السياحة الشتوية في المرتفعات الجبلية للبنان، حيث يتم حجز كل الشاليهات وغرف الفنادق الموجودة في كفردبيان وفاريا وغيرها من المناطقالسياحية، والتي تبلغ اسعار الغرفة لشخصين من 80$ وصولًا الى 450$ عدا عن الطعام والتزلج وغيرهما، وذلك كله، لقضاء يوم جميل لمشاهدة الثلوج وهي تتساقط، وتشغيل الشيمينيه والتمتع بالرفاهية، بينما يحاول جزء كبير من المواطنين اللبنانيين تأمين ادنى متطلبات التدفئة والحاجات الغذائية الاساسية، والتي ترتفع تكلفتها يومًا بعد يوم، بسبب توقعات وتهويلات لا ترقى لمستوى الخوف الذي يشعر به المواطن والتبعات الاقتصادية الخانقة.